یوم الجمعة، السابع والعشرین من أكتوبر، بدأ فریق كرییتف روتس باستكشاف موضوعھم الثاني: الفن العباسي.
استنا ًدا إلى الفعالیات السابقة للعبة أور الملكیة، كان من الواضح أن مجتمعنا یبحث عن طرق تجریبیة للتفاعل مع التراث والثقافة العراقیة، بعی ًدا عن عروض الباوربوینت أو المحاضرات التقلیدیة. نقلنا عملیة التعلم إلى الشارع، قبل أن یتمكنوا ھم من التفاعل معھا بأیدیھم.
ابتدأ المشاركون الفصل الثاني من كرییتف روتس داخل القصر العباسي في بغداد. لا تزال منطقة الرصافة تحتفظ ببعض الكنوز المخفیة من الفترة العباسیة المتأخرة، حیث تنتظر جدرانھا ومداخلھا المزینة بالزخارف أولئك الذین یسعون لاكتشافھا. في الصباح الباكر، اجتمع عشرون مشتر ًكا من مختلف الأعمار )من 10 إلى 60 عا ًما(، یجمعھم شغف مشترك بالتاریخ والفن العراقي. قادھم المصور والناشط في مجال التراث لیث سلمان إلى القصر العباسي. حضر المشاركون من مختلف المحافظات العراقیة، بما في ذلك بغداد، بابل، النجف، ودیالى، متحمسین لاستكشاف ھذا المعلم التاریخي.
بدأت الرحلة بتجربة فریدة من نوعھا: البحث عن الكنز. حیث أُتیحت للمشاركین فرصة استكشاف القصر بأنفسھم، بح ًثا عن الأنماط والزخارف المختلفة التي تزینھ، مع التعمق في العلاقة بین الریاضیات، الأشكال الھندسیة، والكون من خلال النقوش الفنیة. قدمت الجلسة تجربة إرشادیة ممیزة، مكنت المشاركین من التفاعل مع المكان بحریة، وإطلاق العنان لفضولھم. بالنسبة للكثیرین منھم، كانت ھذه أول تجربة لاستكشاف ھذا المعلم التاریخي الرائع. بالتجول بین المقرنصات المتناغمة، الإیوانات المھیبة، والغرف المزخرفة بزخارف الأرابیسك والأنماط الھندسیة، ُدعي المشاركون إلى رفع أنظارھم للأعلى، لاستكشاف الترابط العمیق بین المساحات المادیة والفضاءات المفتوحة التي تتجاوز البناء نفسھ. كانت ھذه التفاصیل الفنیة انعكا ًسا لجلال الإمبراطوریة العباسیة وھیبتھا، حیث ج ّسد الفن قوة الخلفاء وطموحاتھم من خلال تصمیمات تجمع بین الإبداع والجمال والمعنى.
بعد انتھاء الجولة، توجھ المشاركون إلى قاعة الدكتورة لمى في الأعظمیة لاستكشاف جانب آخر من الفن العباسي، الذي لم یقتصر على الأنماط والزخارف الھندسیة، بل شمل أی ًضا تصویر الحیوانات، البشر، والوحوش الأسطوریة التي زینت جدران قصور سامراء. كان ھذا تبای ًنا واض ًحا مع الزخارف البنائیة التي تمیز بھا القصر العباسي في بغداد.
ظھرت الألوان الحمراء، الزرقاء، والذھبیة بوضوح في صبغات ُتظھر مشاھد متنوعة لرعاة أغنام، راقصین، وحیوانات. قاد فریق كرییتف روتس، یمثلھ كل من علي رائد و محمد صبحي، نقا ًشا مع المشاركین حول لوحة الألوان العباسیة، وكیف یمكن إعادة إحیاء ھذا الجزء من التراث. تعمق النقاش أی ًضا في التحولات الإبداعیة التي طرأت على الفن العباسي عبر القرون، حیث أثرت نقوشھ بشكل كبیر على حركة التصمیم في بریطانیا خلال العصر الفیكتوري، من خلال أعمال أمثال ویلیام موریس وویلیام دي مورجان. بذلك، سلطت الجلسة الضوء على الامتداد الزمني والانتشار العالمي للإرث الفني البغدادي.
تمكن المشاركون، من خلال أفكارھم الجدیدة وخبراتھم المكتسبة، من إضافة لمساتھم الخاصة إلى ھذا الإرث. استلھموا من القصر العباسي لیبدعوا أنما ًطا وزخارف جدیدة؛ بعضھم أعاد رسم التصامیم الجمیلة التي شاھدوھا على جدران القصر، بینما اختار آخرون إعادة تصور الزخارف العباسیة بلمسة حدیثة. في النھایة، أطلق الجمیع العنان لإبداعھم بطریقة فریدة.
كان الھدف الأول والدائم لفریق كرییتف روتس ھو تشجیع المشاركة وخلق فرص للتفاعل المباشر مع الماضي. وكان من الرائع رؤیة مجتمعنا یخوض تجربة الماضي بشكل حي وملموس قبل تحلیلھ والتعبیر عنھ بأسلوبھم الخاص. س ُتعرض ھذه الأعمال في معرض نھائي لاحق ھذا العام إلى جانب مشاریع وأعمال أخرى.
یحتاج الماضي إلى التفاعل والمشاركة لیظل ح ًیا و ُیحافظ علیھ للأجیال القادمة. كان من المبھج أن تكون ھذه الورشة واحدة من أكثر الورش إقبا ًلا، وقد استمتعنا بھا بقدر استمتاع المشاركین، وربما أكثر.
كرییتف روتس ھو مشروع مدعوم ضمن منح معھد البحث الأكادیمي في العراق، بتمویل من مؤسسة جي إم كابلان، وبالتعاون مع كرییتف عراق. یتوجھ فریق كرییتف عراق بالشكر الخاص للدكتورة لمى على دعمھا الكبیر لھذه الورشة، ونق ّدر جھودھا القیمة. ربما تكون رحلة الأرابیسك قد انتھت الآن، لكن لدینا العدید من الورش القادمة التي ستستكشف أیقونات ورموز بلاد الرافدین، بالإضافة إلى حكایات ألف لیلة ولیلة. تابعونا لمعرفة المزید من التفاصیل قری ًبا!
Comments